سورة النساء - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي: {بالبخل} بفتح الباء والخاء، وفي الحديد مثله، وهي لغة الانصار، والباقون {بالبخل} بضم الباء والخاء وهي اللغة العالية.
المسألة الثانية: الذين يبخلون: بدل من قوله: {مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} والمعنى: ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا ولا يحب الذين يبخلون، أو نصب على الذم. ويجوز أن يكون رفعا على الذم، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف كأنه قيل: الذين يبخلون ويفعلون ويصنعون: أحقاء بكل ملامة.
المسألة الثالثة: قال الواحدي: البخل فيه أربع اللغات: البخل. مثل القفل، والبخل مثل الكرم، والبخل مثل الفقر، والبخل بضمتين. ذكره المبرد، وهو في كلام العرب عبارة عن منع الاحسان، وفي الشريعة منع الواجب.
المسألة الرابعة: قال ابن عباس: انهم اليهود، بخلوا أن يعترفوا بما عرفوا من نعت محمد عليه الصلاة والسلام وصفته في التوراة، وأمروا قومهم أيضا بالكتمان {وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ} يعني من العلم بما في كتابهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم {وَأَعْتَدْنَا} في الآخرة لليهود {عَذَاباً مُّهِيناً} واحتج من نصر هذا القول: بأن ذكر الكافر في آخر الآية يدل على أن المراد بأولها الكافر.
وقال آخرون: المراد منه البخل بالمال، لأنه تعالى ذكره عقيب الآية التي أوجب فيها رعاية حقوق الناس بالمال، فانه قال: {وبالوالدين إحسانا وَبِذِى القربى واليتامى والمساكين والجار ذِى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل} [النساء: 36] ومعلوم أن الاحسان إلى هؤلاء إنما يكون بالمال، ثم ذم المعرضين عن هذا الاحسان فقال: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} [النساء: 36] ثم عطف عليه {الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل} فوجب أن يكون هذا البخل بخلا متعلقا بما قبله، وما ذاك إلا البخل بالمال.
والقول الثالث: أنه عام في البخل بالعلم والدين، وفي البخل بالمال، لأن اللفظ عام، والكل مذموم، فوجب كون اللفظ متناولا للكل.
المسألة الخامسة: أنه تعالى ذكر في هذه الآية من الأحوال المذمومة ثلاثا: أولها: كون الإنسان بخيلا وهو المراد بقوله: {الذين يَبْخَلُونَ}.
وثانيها: كونهم آمرين لغيرهم بالبخل، وهذا هو النهاية في حب البخل، وهو المراد بقوله: {وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل}.
وثالثها: قوله: {وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ} فيوهمون الفقر مع الغنى، والاعسار مع اليسار، والعجز مع الامكان، ثم إن هذا الكتمان قد يقع على وجه يوجب الكفر، مثل أن يظهر الشكاية عن الله تعالى، ولا يرضى بالقضاء والقدر، وهذا ينتهي إلى حد الكفر، فلذلك قال: {وَأَعْتَدْنَا للكافرين عَذَاباً مُّهِيناً} ومن قال: الآية مخصوصة باليهود، فكلامه في هذا الموضع ظاهر، لأن من كتم الدين والنبوة فهو كافر، ويمكن أيضاً أن يكون المراد من هذا الكافر، من يكون كافرا بالنعمة، لا من يكون كافرا بالدين والشرع.


{وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إن شئت عطفت {الذين} في هذه الآية على {الذين} في الآية التي قبلها، وإن شئت جعلته في موضع خفض عطفا على قوله: {للكافرين عَذَاباً مُّهِيناً} [النساء: 37].
المسألة الثانية: قال الواحدي: نزلت في المنافقين، وهو الوجه لذكر الرئاء، وهو ضرب من النفاق.
وقيل: نزلت في مشركي مكة المنفقين على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم، والأولى أن يقال: إنه تعالى لما أمر بالاحسان إلى أرباب الحاجات، بين أن من لا يفعل ذلك قسمان: فالأول: هو البخيل الذي لا يقدم على إنفاق المال ألبتة، وهم المذمومون في قوله: {الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل} [النساء: 37] والثاني: الذين ينفقون أموالهم، لكن لا لغرض الطاعة، بل لغرض الرياء والسمعة، فهذه الفرقة أيضا مذمومة، ومتى بطل القول بهذين القسمين لم يبق إلا القسم الأول. وهو إنفاق الأموال لغرض الاحسان.
ثم قال تعالى: {وَمَن يَكُنِ الشيطان لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً}. والمعنى: أن الشيطان قرين لأصحاب هذه الأفعال كقوله: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36] وبين تعالى أنه بئس القرين، إذ كان يضله عن دار النعيم ويورده نار السعير وهو كقوله: {وَمِنَ الناس مَن يجادل فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شيطان مَّرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير} [الحج: 3، 4].
ثم أنه تعالى عيرهم وبين سوء اختيارهم في ترك الايمان.


{وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ} استفهام بمعنى الانكار، ويجوز أن يكون ماذا اسما واحدا، فيكون المعنى: وأي الشيء عليهم، ويجوز أن يكون ذا في معنى الذي، ويكون ما وحدها اسما، ويكون المعنى: وما الذي عليهم لو آمنوا.
المسألة الثانية: احتج القائلون بأن الايمان يصح على سبيل التقليد بهذه الآية فقالوا: إن قوله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ ءامَنُواْ} مشعر بأن الاتيان بالايمان في غاية السهولة، ولو كان الاستدلال معتبرا لكان في غاية الصعوبة، فانا نرى المستدلين تفرغ أعمارهم ولا يتم استدلالهم، فدل هذا على أن التقليد كاف.
أجاب المتكلمون بأن الصعوبة في التفاصيل، فأما الدلائل على سبيل الجملة فهي سهلة، واعلم أن في هذا البحث غورا.
المسألة الثالثة: احتج جمهور المعتزلة بهذه الآية وضربوا له أمثلة، قال الجبائي: ولو كانوا غير قادرين لم يجز أن يقول الله ذلك، كما لا يقال لمن هو في النار معذب: ماذا عليهم لو خرجوا منها وصاروا إلى الجنة، وكما لا يقال للجائع الذي لا يقدر على الطعام: ماذا عليه لو أكل.
وقال الكعبي: لا يجوز أن يحدث فيه الكفر ثم يقول: ماذا عليه لو آمن. كما لا يقال لمن أمرضه: ماذا عليه لو كان صحيحا، ولا يقال للمرأة: ماذا عليها لو كانت رجلا، وللقبيح: ماذا عليه لو كان جميلا، وكما لا يحسن هذا القول من العاقل كذا لا يحسن من الله تعالى، فبطل بهذا ما يقال: إنه وإن قبح من غيره، لكنه يحسن منه لأن الملك ملكه.
وقال القاضي عبد الجبار: إنه لا يجوز أن يأمر العاقل وكيله بالتصرف في الضيعة ويحبسه من حيث لا يتمكن من مفارقة الحبس، ثم يقول له: ماذا عليك لو تصرفت في الضيعة، وإذا كان من يذكر مثل هذا الكلام سفيها دل على أن ذلك غير جائز على الله تعالى، فهذا جملة ما ذكروه من الأمثلة.
واعلم أن التمسك بطريقة المدح والذم والثواب والعقاب قد كثر للمعتزلة، ومعارضتهم بمسألتي العلم والداعي قد كثرت، فلا حاجة إلى الاعادة.
ثم قال تعالى: {وَكَانَ الله بهم عَلِيماً} والمعنى أن القصد إلى الرئاء إنما يكون باطنا غير ظاهر، فبين تعالى أنه عليم ببواطن الأمور كما هو عليم بظواهرها، فان الإنسان متى اعتقد ذلك صار ذلك كالرادع له عن القبائح من أفعال القلوب: مثل داعية النفاق والرياء والسمعة.

8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15